بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
الصلاة والسلام على خير خلق الله وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
العبودية نوعان :عبودية عامة و عبودية خاصة
فالعبودية العامة عبودية أهل السماوات والأرض كلهم لله ، برهم وفاجرهم ، مؤمنهم وكافرهم ، فهذه عبودية القهر والملك ، قال تعالى (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) فهذا يدخل فيه مؤمنهم وكافرهم .
وقال تعالى (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء) فسماهم عباده مع ضلالهم ، لكن تسمية مقيدة بالإشارة ، وأما المطلقة فلم تجئ إلا لأهل النوع الثاني ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
وقال تعالى (قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون) وقال تعالى(وما الله يريد ظلما للعباد) وقال تعالى( إن الله قد حكم بين العباد) فهذا يتناول العبودية الخاصة والعامة .
وأما النوع الثاني : فعبودية الطاعة والمحبة ، واتباع الأوامر ، قال تعالى (ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) وقال تعالى (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) وقال تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وقال تعالى عن إبليس (ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) فقال تعالى عنهم (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) .
فالخلق كلهم عبيد ربوبيته ،
وأهل طاعته وولايته هم عبيد إلهيته .
ولا يجيء في القرآن إضافة العباد إليه مطلقا إلا لهؤلاء .
وأما وصف عبيد ربوبيته بالعبودية فلا يأتي إلا على أحد خمسة أوجه : إما منكرا ، كقوله تعالى ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) والثاني معرفا باللام ، كقوله تعالى(وما الله يريد ظلما للعباد) ، (إن الله قد حكم بين العباد) .
الثالث : مقيدا بالإشارة أو نحوها ، كقوله تعالى(أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء) .
الرابع : أن يذكروا في عموم عباده ، فيندرجوا مع أهل طاعته في الذكر ، كقوله تعالى(أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون) .
الخامس : أن يذكروا موصوفين بفعلهم ، كقوله تعالى (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) . وقد يقال : إنما سماهم عباده إذ لم يقنطوا من رحمته ، وأنابوا إليه ، واتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم ، فيكونوا من عبيد الإلهية والطاعة .
وإنما انقسمت العبودية إلى خاصة وعامة ، لأن أصل معنى اللفظة الذل والخضوع ، يقال طريق معبد إذا كان مذللا بوطء الأقدام ،.. ، لكن أولياؤه خضعوا له وذلوا طوعا واختيارا وانقيادا لأمره ونهيه ، وأعداؤه خضعوا له قهرا ورغما .
من كتاب :مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، للإمام بن القيم يرحمه الله تعالى