ان التفسير الإسلامي للتاريخ ; يرد ذل المحكومين للطواغيت , وسيطرة الطواغيت عليهم , إلى عامل أساسي هو فسوق المحكومين عن دين اللّه , الذي يفرد الله سبحانه بالألوهية , ومن ثم يفرده بالربوبية والسلطان والقوامة والحاكمية . فيقول الله سبحانه عن فرعون وقومه:*ونادى فرعون في قومه قال:يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ? أفلا تبصرون ? أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ? فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب , أو جاء معه الملائكة مقترنين ! فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين*. . فيرد استخفاف فرعون لهم إلى أنهم فاسقون . فما يستخف الحاكم الطاغي قومه وهم مؤمنون بالله موحدون ; لا يدينون لسواه بربوبية تزاول القوامة والحاكمية !
ولقد حدث أن الذين فسقوا عن الدينونة لله وحده , فأتاحوا لنفر منهم أن يحكموهم بغير شريعته , قد وقعوا في النهاية في شقوة العبودية لغيره . العبودية , التي تأكل إنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم , مهما اختلفت أشكال الأنظمة التي تحكمهم ; والتي ظنوا في بعضها أنها تكفل لهم الإنسانية والحرية والكرامة !
لقد هربت أوربا من الله - في أثناء هروبها من الكنيسة الطاغية الباغية باسم الدين الزائف ! - وثارت على الله - سبحانه - في أثناء ثورتها على تلك الكنيسة التي أهدرت كل القيم الإنسانية في عنفوان سطوتها الغاشمة ! ثم ظن الناس هناك أنهم يجدون إنسانيتهم وحريتهم وكرامتهم - ومصالحهم كذلك - في ظل الأنظمة الفردية [ الديمقراطية ] وعلقوا كل آمالهم على الحريات والضمانات التي تكفلها لهم الدساتير الوضعية , والأوضاع النيابية البرلمانية , والحريات الصحفية , والضمانات القضائية والتشريعية , وحكم الأغلبية المنتخبة . . إلى آخر هذه الهالات التي أحيطت بها تلك الأنظمة . . ثم ماذا كانت العاقبة ? كانت العاقبة هي طغيان "الرأسمالية " ذلك الطغيان الذي أحال كل تلك الضمانات وكل تلك التشكيلات , إلى مجرد لافتات , أو إلى مجرد خيالات ! ووقعت الأكثرية الساحقة في عبودية ذليلة للأقلية الطاغية التي تملك رأس المال , فتملك معه الأغلبية البرلمانية ! والدساتير الوضعية ! والحريات الصحفية ! وسائر الضمانات التي ظنها الناس هناك كفيلة بضمان إنسانيتهم وحريتهم وكرامتهم , في معزل عن الله سبحانه ثم هرب فريق من الناس هناك من الأنظمة الفردية التي يطغى فيها "رأس المال" و "الطبقة ! " إلى الأنظمةالجماعية ! فماذا فعلوا ? لقد استبدلوا بالدينونة لطبقة "الرأسماليين" الدينونة لطبقة "الصعاليك" ! أو استبدلوا بالدينونة لأصحاب رؤوس الأموال والشركات الدينونة للدولة التي تملك المال إلى جانب السلطان ! فتصبح أخطر من طبقة الرأسماليين !
وفي كل حالة وفي كل وضع وفي كل نظام دان البشر فيه للبشر , دفعوا من أموالهم ومن أرواحهم الضريبة الفادحة . دفعوها للأرباب المتنوعة في كل حالة !
إنه لا بد من عبودية ! فإن لم تكن لله وحده , تكن لغير الله . . والعبودية لله وحده تطلق الناس أحرارا كراما شرفاء أعلياء . . والعبودية لغير الله تأكل إنسانية الناس وكرامتهم وحرياتهم وفضائلهم . . ثم تأكل أموالهم ومصالحهم المادية في النهاية !
[i]