تذكرة مفيدة عن الإسلام والمسلمين :
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله :
[ وكل مؤمن لابد أن يكون مسلما فان الايمان يستلزم الاعمال
وليس كل مسلم مؤمنا هذا الايمان المطلق لان الاستسلام لله والعمل له لا يتوقف على هذا الايمان الخاص
وهذا الفرق يجده الانسان من نفسه ويعرفه من غيره ؛ فعامة الناس اذا اسلموا بعد كفر أو ولدوا على الاسلام والتزموا شرائعه وكانوا من اهل الطاعة لله ورسوله فهم مسلمون ومعهم ايمان مجمل ..
ولكن دخول حقيقة الايمان إلى قلوبهم انما يحصل شيئا فشيئا ان أعطاهم الله ذلك والا فكثير من الناس لا يصلون لا إلى اليقين ولا إلى الجهاد ولو شككوا لشكوا ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا .
وليسوا كفارا ولا منافقين بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال ..
وهؤلاء ان عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة ، وان ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم فان لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب والا صاروا مرتابين وانتقلوا إلى نوع من النفاق
وكذلك اذا تعين عليهم الجهاد ولم يجاهدوا كانوا من أهل الوعيد ..
ولهذا لما قدم النبى المدينة أسلم عامة أهلها فلما جاءت المحنة والابتلاء نافق من نافق فلو مات هؤلاء قبل الإمتحان لماتوا على الاسلام ودخلوا الجنة ولم يكونوا من المؤمنين حقا الذين ابتلوا فظهر صدقهم قال تعالى ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) وقال تعالى ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) وقال ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين)
ولهذا ذم الله المنافقين بأنهم دخلوا في الايمان ثم خرجوا منه بقوله تعالى ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ) إلى قوله ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) وقال في الآية الآخرى ( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة) إلى قوله ( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ) فقد أمره أن يقول لهم قد كفرتم بعد إيمانكم
وقول من يقول عن مثل هذه الآيات أنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولا بقلوبهم لا يصح لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر فلا يقال قد كفرتم بعد إيمانكم فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر
وان أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان فهم لم يظهروا للناس إلا لخواصهم وهم مع خواصهم ما زالوا هكذا بل لما نافقوا وحذروا أن تنزل سورة تبين ما في قلوبهم من النفاق وتكلموا بالإستهزاء صاروا كافرين بعد إيمانهم ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين وقد قال تعالى ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ) فهنا قال ( وكفروا بعد إسلامهم ) فهذا الإسلام قد يكون من جنس إسلام الأعراب فيكون قوله ( بعد إيمانهم وبعد إسلامهم ) سواء وقد يكونون ما زالوا منافقين فلم يكن لهم حال كان معهم فيها من الإيمان شيء لكونهم أظهروا الكفر والردة ولهذا دعاهم إلى التوبة فقال ( فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا) بعد التوبة عن التوبة ( يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ) وهذا انما هو لمن أظهر الكفر فيجاهده الرسول بإقامة الحد والعقوبة ولهذا ذكر هذا في سياق قوله ( جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) ولهذا قال في تمامها ( وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير )
وهؤلاء الصنف الذين كفروا بعد اسلامهم غير الذين كفروا بعد إيمانهم فان هؤلاء حلفوا بالله ما قالوا وقد قالوا كلمة الكفر التى كفروا بها بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا وهو يدل على أنهم سعوا في ذلك فلم يصلوا إلى مقصودهم فإنه لم يقل هموا بما لم يفعلوا لكن ( بما لم ينالوا) فصدر منهم قول وفعل قال تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب )
فاعترفوا واعتذروا ولهذا قيل ( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ) فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد ايمانه فدل على أنه كان عندهم ايمان ضعيف ففعلوا هذا المحرم الذى عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفرا وكان كفرا كفروا به فانهم لم يعتقدوا جوازه
وهكذا قال غير واحد من السلف في صفة المنافقين الذين ضرب لهم المثل في سورة البقرة أنهم أبصروا ثم عموا وعرفوا ثم أنكروا وآمنوا ثم كفروا وكذلك قال قتادة ومجاهد ضرب المثل لاقبالهم على المؤمنين وسماعهم ما جاء به الرسول وذهاب نورهم قال { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون }إلى ما كانوا عليه
وأما قول من قال المراد بالنور ما حصل في الدنيا من حقن دمائهم وأموالهم فاذا ماتوا سلبوا ذلك الضوء كما سلب صاحب النار ضوءه فلفظ الآية يدل على خلاف ذلك فانه قال { وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون }
ويوم القيامة يكونون في العذاب كما قال تعالى{ يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم } الآية وقد قال غير واحد من السلف أن المنافق يعطى يوم القيامة نورا ثم يطفأ ولهذا قال تعالى { يوم لا يخزي الله النبى والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا}
قال المفسرون اذا رأى المؤمنون نورالمنافقين يطفأ سألوا الله أن يتم لهم نورهم ويبلغهم به الجنة........ ) ] مجموع الفتاوى ج 7 .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا
وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان
يارحيم ويارحمن
[{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }]
آل عمران8
والحمد لله وحده منقول للفائدة